من آل «البيت» رضوان الله عليهم أجمعين

تحتفل جمهورية مصر العربية والمشيخة العامة للطرق الصوفية هذه الأيام الطيبة المباركة بذكرى ميلاد السيدة نفيسة عالية القدر ابنة ساداتنا: حسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين. وأمها أم ولد، وإخوانها أمهم أم سلمة زينب بنت الحسن بن الحسن بن على رضى الله عنهم.

حول حياتها وميلادها ونشأتها يقول الدكتور سعيد أبو الأسعاد وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية: ولدت رضى الله عنها بمكة المكرمة سنة 145هـ حفظت منذ نعومة أظافرها آيات القرآن الكريم ووعت علومه ونشأت بالمدينة المنورة بعد أن انتقل إليها أبوها الحسن الأنور مع بقية أسرتها، فقد عيّن الخليفة العباسى أبوجعفر المنصور آباها واليا على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت رضى الله عنها لا تفارق حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حجت رضى الله عنها ثلاثين حجة أدت معظمها ماشية، وكانت تبكى بكاءً شديداً متعلقة بأستار الكعبة قائلة: "إلهى وسيدى ومولاي" متعنى وفرحنى برضاك عني، فلا تسبب لى سببا به عنك تحجبني.

ويضيف د. سعيد تزوجت السيدة نفيسة بنت الحسن بإسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق، وأعقبت منه ولدين القاسم وأم كلثوم اللذين توفيا بعد أمهما ودفنا بالبقيع. ويشير د. سعيد إلى أن أهل المدينة كانوا يثقون فى روايتها للحديث والإلمام بحقائق صحة السند..

وعندما مرض الرجل الصالح الناسك بشر بن الحارث الشهير بالحافي، وكان من زوارها مفادته نور علمها بأمر وعكته، وبينما هى عنده دخل الإمام أحمد بن حنبل يعوده أيضا، فنظر إلى السيدة نفيسة وقال لبشر: من هذه؟ فقال له بشر: هذه نفيسة بلغها مرضى فجاءت تعودنى فقال الإمام أحمد لبشر فاسألها تدعو لنا فقال لها بشر: ادعى الله لنا، فقالت: "اللهم إن بشر بن الحارث، وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النار فأجرهما يا أرحم الراحمين".

ويقول د. سعيد: تشرفت أرض الكنانة بأن تتخذ السيدة نفيسة منها موطنا تعيش فى كنفها فتنعم بالتقدير والحب والأمان، قدمت الى مصر سنة 193 هـ مع زوجها إسحاق المؤتمن وأبيها الحسن بن زيد بعد أن أتموا الحج وذهبوا إلى فلسطين لزيارة المسجد الأقصى، وعاشوا أياما فى الرحاب القدسية والآثار المطهرة التى شهدت رحلتى الإسراء والمعراج، وفى الحرم الإبراهيمى تاقت نفسها الصافية لزيارة مصر. وتلقاها المصريون بالحفاوة والإجلال نزلت الريحانة العطرة أول الأمر فى دار كبير التجار جمال الدين الجصاص، فأقامت مع أفراد أسرته الأشهر القليلة الى أن حطت رحالها بعد ذلك فى مكان يسمى دار أم هانئ على أطراف مدينة العسكر.

كان يفد على السيدة نفسية فى حياتها أئمة الفقه الإسلامى وكبار العلماء، فقد زارها الإمام الشافعى وعبدالله بن الحكم وذو النون المصري، والإمام أبوالحسن الدينورى وأبوعلى الروزبادى وأبو بكر الدقاق والفقيه عبدالله بن وهب المالكي، والإمام أبوجعفر الطحاوى الحنفى وأبونصر سراج الدين المغافرى والفقيه أبوبكر الحداد والإمام أبوالحجاج الأشبيلى وغيرهم من مئات من سادات السادات وأئمة الأئمة فى العلوم مما يدل على رفعة قدرها وعلوّ مقامها.

لما توفى الإمام الشافعى سنة 204 هـ حملوه إلى دارها فصلّت عليه مأمومة بالإمام أبى يعقوب البويطى ودعت له وشهدت فيه خير شهادة حيث قالت: "رحم الله الشافعى فقد كان يحسن الوضوء".

بعد وفاة الشافعى بدأت تعد نفسها للقاء مولاها. فحفرت قبرها بيدها تباعاً فى حجرتها بمنزلها الذى أهداه إليها والى مصر عبيد الله بن السرى بن الحكم بدرب السباع، وهو الذى أصبح فيما بعد مشهدها ومسجدها الحالي.

كانت تصلى فى قبرها الذى حضرته وقرأت فيه عشرات الختمات من القرآن تبركا واستشفاقاً، أصابها التعب فى أول رجب وزاد عليها الألم فى أول جمعة من رمضان وكانت صائمة، فدخل عليها الأطباء فأشاروا عليها بالإفطار، لحفظ قوتها ولتتغلب على مرضها وضعفها فقالت: "واعجباه، إن لى ثلاثين سنة وأنا أسأل الله عز وجل أن يتوفانى وأنا صائمة، أفأفطر؟ معاذ الله تعالى ثم أنشدت تقول: "أصرفوا عنى طبيبى ودعونى وحبيبي". فانصرف الأطباء وسألوها الدعاء، فقالت لهم خيرا ودعت لهم.

وفى يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان سنة 208 هـ وأثناء قراءتها سورة الأنعام، حتى إذا وصلت قوله تعالى: "لهم دار السلام عند ربهم" فاضت روحها إلى الرفيق الأعلى راضية مرضية.