web master Admin
عدد الرسائل : 500 العمر : 32 العمل/الترفيه : .............. المزاج : طبيعي kkkk : sms : MySMS By AlBa7ar Semauae.com -->
تاريخ التسجيل : 14/04/2008
| موضوع: عكاظيّة الجزائر تستضيف فلسطين ومتسابقي أمير الشعراء الثلاثاء يونيو 03, 2008 6:19 am | |
| الجزائر - احتضنت العاصمة الجزائرية الأسبوع الماضي فعاليات الدورة الثانية من 'عكاظية الجزائر' التي ينظمها الديوان الوطنيّ للثقافة والإعلام التابع لوزارة الثقافة. وشارك في هذه الدورة عدد كبير من الشعراء والكتّاب والمفكّرين من موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، ومصر، والأردنّ، وسوريا، ولبنان، والمملكة العربيّة السعوديّة، وقطر، والكويت، والعراق، والإمارات العربيّة المتحدة، وسلطنة عمان، واليمن، وفلسطين، والبحرين. وكان موضوع هذه الدورة عن 'الشعر العربيّ وقضايا التحرُّر'، وكانت فلسطينُ هي ضيفَ الشرفِ. وتوزَّعت فعالياتها على جلستين اثنتين كلّ يوم: الجلسة الصباحيّة وخُصّصت للحلقات الدراسيّة، والجلسة المسائيّة وخُصّصت للإنشادات الشعريّة.
من أسماء المشاركين فيها من الشعراء أمير الشعراء عبدالكريم معتوق وهدى السعدي من الإمارات، وعائشة البصري من المغرب، وعمر حاذق من مصر، وياسر الأطرش من سوريا، ونصيرة محمدي ويوسف وغليسي وسليمان جوادي وعاشور فنّي وحنين عمر والزبير دردوخ ورابح ظريف من الجزائر، وخالد أبو خالد من فلسطين، ومحمد المازوغي وجمال الصليعي من تونس، وهاجر البريكي من سلطنة عمان، وصلاح الدين الغزال من ليبيا، وزاهر أبو حلا من لبنان، وميسون أبو بكر من السعوديّة، والشيخ ولد البان من موريتانيا.
وقد أُلقيتْ قصائد بلغت ذروة الجمال كما هو الشأن في القراءات الشعريّة التي قرأها الشاعر الفلسطيني خالد أبو خالد، والنّصّ الجميل الذي ألقته هاجر البريكيّ، وسواؤُهما من الشعراء، نودّ أن نتوقف لدى اثنين منهم فقط، وذلك لعدم اتّساع حيّز هذه المقالة لأكثر من ذلك: والشاعران هما عمر حاذق من مصر، وحنين عمر من الجزائر، وكلاهما من استكشاف الدورة الأولى لمسابقة 'أمير الشعراء'.
انعتاق الوردة
فقد قدّم عمر حاذق نصّاً شعريّاً تفعيليّاً على مستوى رفيع من الجمال وطفوح الشعريّة عنوانه: 'انعتقتْ رُوح سمائي'. وقد عوّدَنا عمر حاذق على هذا المستوى الشعريّ الجميل منذ أن ظهر على مسرح شاطئ الراحة بأبوظبي. وكنت أمنّي النفس أن أكتب أسطاراً عن هذا الشاعر الشابّ الذي يَأْسِرُ متلقّيه بطفوح شعريّته بقدر ما يسحره بدماثة خَلاقه وطِيب سيرته. يقول عمر حاذق في بعض هذا النّصّ الشعريّ:
انعتقتْ روح سمائي وردهْ
كدِهَانٍ من توت الرحمة في حِضنِ القِشدهْ
بَيضةُ أرضي فقَسَتْ
ضجّ الأُفْقُ كتاكيتَ تصيح وتَلْغَط في آماد القمح العسليِّ
وشلالاتِ حليب
وقواربِ زُبدهْ
مطرٌ من موسيقى:
تَرَرَمْ، ترَرَم
رهُفتْ آذان جبالي
عاودها رجْعُ حنينٍ منسيٍّ
أرخَى لقساوتها عُشباً من نغَمٍ
ونُهَيراتِ مودّهْ
خفّتْ عِهْناً مهتاجاً بالألوانْ
فَراشاتٍ مسكوناتٍ بالألحانْ
جبالي ماجَتْ
باحتْ بمفاتنها الأحجارُ المنهدّهْ
إنّا حين نتأمّل هذه المقطّعة من القصيدة الطويلة التي كتبها عمر حاذق نجدها تشتمل على صور بديعة جديدة لا نصادفها إلاّ في أشعار الشعراء الحقيقيّين، فانْعتاقُ روح سماء الشاعر وردة، وصيرورتُها دِهاناً من توت الرحمة، ثمّ إِغفاءُ هذا الدِّهان في حضن القِشده: هي صورة متناهية الضبابيّة، وتندرج ضمن الشعر الجديد الذي يصوّر الأشياء والعواطف والهواجس جميعاً تصويراً مضبّباً يجعله في وضْع يتنازعه المستحيل في استحالته، ويتقاذفه الممكن في احتمال حُدوثه؛ فهنا لا يوجد واقعٌ من الحياة ملموس محسوس، ولكنّنا نصادف عالَماً شعريّاً ذهنيّاً مجرّداً يجعل للسماء روحاً، كما يجعل الدهانَ شيئاً متّسماً بالإدراك فيُغفِي في أحضان القشدة. ولم تلبث بيضة أرض الشاعر (بيضة أرضي) أن فقست، فامتلأ الأفق بما فقستْ أفراخاً لا تبرح تصيح في أفضيَةِ القمح العسليّ، وشلالات الحليب، وقوارب الزبدة. وإذا كان الشاعر يستعمل الأطعمة في هذه الصورة فلأنّها مقوّم الحياة للإنسان والحيوان جميعاً، ولأنّ أرض الشاعر الخصيبة الكريمة هي التي أخصبتها إخصاباً: حقول القمح، وشلالات الحليب، وقوالب الزبدة.
وكلّ أولئك مظاهرُ كان منشؤُها الغيثَ الهاتن، والقَطْرَ النازل، وعلى أنّ هذا القَطرَ عجائبيّ لأنّه ليس مكوَّناً من سائل الماء، ولكنّه مكوَّن من الأنغام الموسيقيّة: 'ترَرَمْ، تررم'. ثم ارتبطت هذه الأنغام العِذَابُ برهافة سماع الآذان التي لم يزل رجْعُ الحنينِ المنسيّ يُلِمُّ عليها.
وتمضي الصور السُّرياليّة، لا الرومنتيقيّة، تتغافص فيما بينها فتتراكب وتتراكم على نفسها، فإذا هي تمثّل كَمّاً هائلاً من العناصر المتواشجة المتلاحمة الضاربة في آفاق المستحيل الشعريّ.
ونلاحظ أنّ اللّغة الشعريّة في هذه المقطّعة، وفي القصيدة كلّها، لو يتّسع المقام لتحليلها، تنهض على التشاكُل أكثر مما تقوم على التبايُن، بحيث نُلفي كلّ لفظٍ يرتبط بصِنْوه ليُحيلَ اللاحقَ على السابق، وليتهاوَى السّابقُ على اللاّحق: فالأرض تحيا إذا أصابها القَطر فتُخصب قمحاً، وتجري سواق عظيمةً فتَمخَرُ فيها القوارب مَخْراً، وتجري الفُلْكُ جرْياً؛ فهذه القوارب تتشاكل معنويّاً من الشلاّلات التي هي سوائل عظيمة، في حين أنّ الزبدة تتشاكل مع القشدة من وجهة، ومع الحليب من وجهة أخرى. أمّا المطر فهو الذي يكون أصلاً فيها فيُمَثّل الْمُشاكِلَ المركزيّ الذي تتفرّع عنه متماثلاتٌ تضطرب في فَلَكه، وترْتَكِض في محيطه: مثل العشب، والنُّهَيرات، والفَراشات...
وتحكم هذه المقطّعة حُزْمةٌ من الأصوات التي تتجاوب فيما بينها فتكوّن فضاءً عجائبيّاً تتغافص فيه الأصوات المختلفة: فضجيج الأفق، وصِياح الكتاكيت ولَغَطُها، وخرير الشلاّلات وهي تتهاوَى نحو المنحدرات من الأنهار، ومُخور القوارب في الماء وما يُحدثه من اصطفاق (والمخور لا يكون إلاّ بقطْع الماء بالريح، لا بالمحرّكات، وللريح صوت)، والمطر الموسيقيّ الرّنّان، والفَراشات الْمَفتونة بحبّ الألحان، ورجْع الحنين، والعشب النابت من الأنغام: كلّها مظاهر أصواتيّة تجعل من بعض هذا الشعر منغومة عجيبة من الأصوات المتداخلة المتضاربة طوراً، والمنسجمة المتناسقة طوراً آخر. في حين أنّ توظيف الألوان في هذا النصّ يمثّل وجهاً آخر لجمال شعريّته؛ ذلك بأنّ مثُول السماء في الذهن لا يقترن إلاّ بالزُّرقة؛ في حين أنّ التّوت يمثُل فيه اللّون الطبيعيّ الناضر الذي قد يكون مائلاً إلى الحمرة، فتنشأ عنها القِشدة التي هي في أيِّ صورةٍ قرأتَها عليها تتّخذ لها لوناً معيّناً (تأتي القشدة بمعنى الحشيشة الكثيرة الْمُدِرّة للبن؛ وبمعنى الزبدة الرقيقة: لسان العرب): فاللّون هنا إمّا أخضر إذا انصرف إلى العشب، وإمّا أبيض إذا صرفناه إلى الْبُثْنة (الزبدة الرقيقة). والكتاكيت حين تُقَوقئ أو تصيح لا تعدم ألواناً مختلفة لريشها، في حين أنّ القمح ذو لون ضارب إلى الحمرة الشاحبة. وقد وُصِف القمح باللّون العسليّ الذي يصبح إشكاليّاً إذا أسقطنا لون العسل على لون القمح، ذلك بأنّ القمح إذا كان ذا لونٍ ثابتٍ معروف، فإنّ العسل قد يتّخذ له عدّة ألوانٍ منها الأبيض، والأحمر، والضارب إلى الصفرة الفاقعة...
يبقَى أن نسأل الشاعر عن بعض الألفاظ التي أقحمها في شعره وليس لها أصلٌ من العربيّة الصحيحة مثل انعتقتْ ؛ و آماد . كما أنّ المتقعّرين يأبَوْن استعمال غفا (الذي أتى منه الشاعر باسم الفاعل 'غافٍ')، وإنّما يجنحون إلى اصطناع أغفى ، مع ما نعلم من حرص عمر حاذق على تجويد لغته الشعريّة وتحقيقها في المعجم قبل استعمالها... ولعلّ ذلك جاءه من عَدوى قراءاته في الشعر العربيّ المعاصر الذي تكثُر فيه مثل هذه الْهَنَات التي لا تنقُص فتيلاً من شعريّة هذا النّصّ البديع الذي نرجو أن يعرف سبيله إلى النشر فيستمتع بقراءته هُواة الشعر العربيّ الجديد الجميل.
إعادة الكرّة!...
ألقت حنين عمر أربعَ قصائدَ في أمسية شعريّة أقامتْها، ضمن عكاظية الجزائر، بقاعة السينما 'الْمُوقّار'. وإذا كانت الشاعرة التي نراهن على تبوّئِها المكانة الشعريّة المرموقة في المستقبل: ما أعنتَتْ قريحتَها بالقراءة المنهجيّة لكبار الشعراء: من قدمائهم ومُحدثيهم، قد ألقتْ قصائدَ جديدة يسمعها جمهورها لأوّل مرّة ومنها: 'فنجان قهوةٍ مع قيس بن الملوّح'، ومن نصّها:
وحدي وقفتُ
وما أبكيتُ من أحد
معي بالباب والأشجانُ تزدلف
عسى حاديكِ في أجفانه رمَدُ
أيا عيني وفي مِرآتك الصلَفُ
فإن غابتْ عن الأنظار قافلتي
شددتُ الدمع والموال ينذرف
إنّ الجمهور لم ينسَ قطّ قصيدتها المدهشة التي سابقتْ بها في برنامج 'أمير الشعراء' في إحدى حلقاته العجيبة، وهي:
الويلُ! ضدّي خمسة خلفاء
وأنا التمرُّدُ صاحبي وعشيقي
بي جملةٌ صعبٌ بها الإملاءُ
ماذا أقول وخيبتي تطويقي؟
عبثاً حلمنا يسقط الأعداءُ
وقبيلتي إنجازها تفريقي
مكلومة في الموجَزِ الأنباءُ
والْـ آهُ يوجِز صمتُها تعليقي
ولذلك لقِيتْ هذه القصيدة إعجاباً شديداً وقوطعتْ بالتصفيق الحارّ مراراً، وكأنّ التاريخ أعاد نفسه بين مسرح شاطئ الراحة بأبوظبي، ومسرح الموقار بالجزائر. فالمكانان هنا وهناك صنعا الوحدة، والشاعرة صنعت أسْر الجمهور، والجمهور صنع الحدث الشعريّ الكبير، الذي قلّ له النظير.
وتقوم فكرة هذا النصّ الشعريّ الطويل المؤلّف من سبعة مشاهدَ، والذي عنوانه: 'على مسرح المتنبي' على مخاطبة الحكّام الخمسة الذين اختيروا لنقد الشعراء العرب المتسابقين من أجل نيْل إمارة الشعراء؛ وذلك حيث إنّ أيَّ شاعر من المتسابقين في 'أمير الشعراء' لم يخاطب الْحُكّامَ صراحةً ويدعو بالويل والثبور، وينادي بعظائم الأمور، ممّا قد يلحَق الشاعرَ من أحكامهم التي لا ترحم في موضوعيّة تبدو صارمة؛ من أجل ذلك نلفي الشاعرة في قصيدتها هذه تنادي بالويل وقد ألْفَت المسكينة نفسَها وحيدةً تواجه خمسةَ نقّادٍ كلّ منهم يصبّ عليها أسواطاً من الأحكام، وسيلاً من الانتقادات، وشيئاً قليلاً من الإطراء. بيد أنّ هذه الشاعرة الشّابّة تتّخذ لها التمرّدَ صاحباً فتعشَق التحدّي الذي تواجه به الخمسة الخلفاء، كما تسمّيهم، وكأنّها تلاعبهم على مصيرها المعلّق بين أحكامهم. والحقّ أنّ قولها:
وأنا التمرّد صاحبي وعشيقي
من أجمل الصور الفنّيّة في هذا النّصّ حيث يغتدي التمرّد كائناً حيّاً عاقلاً تتخذه الشاعرة لها صاحباً، بل عشيقاً تستنيم إليه وتهيم به صبابةً وحبّاً. وجمال الصورة يكمن في قولها: عشيقي ، فلعلّ هذا اللفظ هو الذي صنع الشعريّة الطافحةَ في هذا الْمِصراعِ العجيب.
وأمّا قولها:
ماذا أقولُ وخيبتي تطويقي؟
فإنّ الشاعرة زيّحتْ لغتها الشعريّة فيه وحملتْها على ما لم تكن قد ألِفَتْه في تقاليد أسْلَبَتِها الرتيبة، فإذا هي تقلب النّسج رأساً على عقِب، فتغتدي الخيبةُ هي التطويقَ، وذلك بالفَزَع إلى استعمال المصدر لا الاجتزاءِ باستعمال الفعل، أي بدل أن تقول: 'ماذا أقول وقد طوّقتني الخيبة'؟ عمَدت الشاعرة حنين عمر إلى المصدر فجعلتْه محايداً من حيث مصدريّتُه، ولكنْ حميميّاً من حيث شعريّته التي تلاشت في قريحة الشاعرة فأمسى فِعْلُ التطويق شأناً جوّانيّاً يُحْبط الذات ولاسيّما إذا كانت واهية، ويُقْلق الهمّة وخصوصاً إن كانت مُرهَفةً، ولكنّ التحدّي الذي تسلّحتْ به الشاعرة هو القيمةُ العظيمة التي تتغلّب به، آخرَ الأمر، على كلّ ما يساور سبيلَها من خُطوبٍ فتخرُج منتصرةً مزدَهِيَةً منتشيةً معاً، وذلك على الرغم من أنّ قبيلة الشاعرة كان قُصاراها السعيَ إلى الفُرْقة والْخُلْف:
وقبيلتي إنجازُها تفريقي!
كان ذلك بإيجاز شديد ما يمكن قوله عن الشعر في عكاظية الجزائر، وأمّا عن الأوراق الفكريّة والنقديّة التي قُدّمت، فإنّ عدداً كبيراً من النقّاد والمفكّرين شاركوا من الأقطار العربيّة مشرقيِّها ومغربيّها نذكر منهم لحبيب الجناحي من تونس، وكمال عبداللطيف من المغرب، وبشير بويجرة وعبدالوهاب ميراوي من الجزائر، ومحمود الربداوي وأحمد دحبور من سوريا... ونتوقّف قليلاً لدى المحاضرتين اللتين ألقياهما بشير بويجرة وعبدالوهاب ميراوي حيث إنّ الأوّل قدّم ورقته بعنوان: 'أيّ راهنٍ وأيّ فكرٍ في زمن عروبة تَئِدُ المعرفة ؟ ومما يرى المحاضر أنّ معاينة جادّة وصادقة مع الذات تُفضي حتماً إلى تلبيس هندام السلبيّة على راهنيّة الذات العربيّة؛ راهنيّة تفرض طابوراً، لا نهاية له، من الأسئلة المحرجة والموؤدة الإجابة الشافية سلفاً'. وقد نضهت هذه المداخلة على خمسة عناصر هي: 'معاينة مدى الاختراق، أو العولمة المفروضة؛ وآليات التحدّي أو افتراضات التكامل؛ الذات والآخر: تبعيّة أم حوار؛ وراهن اللانتماء أو أُفق الحلول في ماهية العبث؛ ورهان المعرفة أو راهن القراءة'. وواضح أنّ أسس هذه الورقة تَشِي بمساءلة قلقة مُقلقة معاً عن مصير الأمّة ضمن تيّار عالميّ جارف لا يرحم فيه الكبارُ الصغارَ، ولا الأقوياءُ الضعفاءَ، ولا يَسلَم فيه إلاّ مَن تسلّح بسلاح المعرفة الحقيقيّة المنافسة القادرة على تحدّي الصراع، وصُنْع التاريخ.
وأمّا ورقة عبدالوهاب ميراوي فقد ارتكزتْ على شعريّة محمود درويش وكانت بعنوان: الأرض، والبحث عن الشبيه . وقد افتتح المحاضر ورقته بقوله: 'اكتسبت القصيدة الفلسطينيّة مميّزات خاصّة، مما جعلها تنفرد بعلامات واضحة وفارقة مع التجارب الشعريّة السابقة. وتأتي قضيّة الأرض على رأس تلك العلامات باعتبارها قيمةً تحقّق للإنسان وجوده، حضوره، كيانه، بالإضافة إلى ما تشكّله من حرارة المعاينة الإبداعيّة، وتفاعُل بين البعد الفيزيائيّ والروحيّ.
لذلك كلّه فإنّ الشاعر محمود درويش راح يقابل، ويجاور، بين أمكنة وأزمنة، ليشكّل في الأخير تلك العلاقة المتشابهة والمتلاحمة بين الإنسان وأرضه عبر التاريخ، ليقرأ بها الواقع الفلسطينيّ المتأزّم. وحتّى يستطيع التوصّل إلى الواقع العربيّ المتهرّئ من الداخل فإنّه عمد إلى بناء نصّه على بنية شبكيّة تتلاقى فيها الأصوات والأزمنة، فتتداخل في حركة متفاعلة متلاحمة، فيصبح الماضي يعلن عن الحاضر، والحاضر يعلن عن الماضي'. وقد توقّف المحاضر طويلاً لدى شعريّة محمود درويش ليحلّل خصائص جماليّاتها، ويفسّر الرموز التي يصطنعها في شعره، وتناول تحليلُه خصوصاً القصائد الدرويشيّة الآتية: أحد عشر كوكباً على آخر المشهد الأندلسيّ؛ وتلك صورتها وهذا انتحار العاشق؛ وآه عبداللّه؛ وخُطبة الهنديّ الأحمر -ما قبل الأخيرة- أمام الرجل الأبيض.
وإذا كانت ورقة بويجرة تشرئبّ إلى رسْم المشهد الفكريّ لحاضر الأمّة برؤية نقديّة لا تخلو من تشاؤم وقلق، فإنّ ورقة ميراوي أفاضت في تحليل شعرية محمود درويش انطلاقاً من الخصائص الفنّيّة العامّة للشعر الْفِلَسْطِيِّ (كذلك النسبة الصحيحة إلى فلسطين). إنّ ترسيم عكاظيّة الجزائر للشعر العربيّ، سنويّاً، قد يكون أهمّ مكسب ثقافيّ عرفتْه الجزائر في عهد الاستقلال على وجه الإطلاق حيث يلتقي عدد كبير من الشعراء من كلّ الأقطار العربيّة ليقدّموا تجاربهم الشعريّة الجديدة وليعمّقوا التعارف فيما بينهم، بالإضافة إلى اختيار محور فكريّ يعالجه النقاد والمنظّرون في حلقات دراسيّة منفصلة عن الأمسيات الشعريّة الحاشدة التي ينشّطها الشعراء. ومن التقاليد التي رسّختْها هذه العكاظيّة أنّ الشعراء العرب يتوزّعون على الأحياء الجامعيّة، للطّلاّب والطّالبات، فيلقون عليهم قصائد في أمسياتٍ طافحة بالجمال: تنضَح بالشعريّة، وتطفح بجمال الكلمة، وتزْدَهي بسحر الإيقاع | |
|